Publications /
Opinion

Back
ليبيا: من الجحيم إلى النعيم؟
Authors
الأمين ولد سالم
June 13, 2018

خلال القمة التي عقدها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه بباريس في 29 مايو 2018، صادق الفاعلون الرئيسيون الأربعة في الأزمة الليبية على "الإعلان السياسي بشأن ليبيا" الذي ينص على إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في 10 ديسمبر القادم. هذه الوثيقة "التاريخية"، كما جاء على لسان الرئيس الفرنسي، تظل مهددة بالتعقيدات التي تطبع الأوضاع على أرض الواقع في ليبيا.

كثيرة هي المبادرات التي هدفت إلى إخراج ليبيا من الفوضى التي تتخبط فيها منذ انهيار نظام العقيد معمر القذافي في 2011. لكن حتى يومنا هذا لم تنجح أي منها في مسعاها. فالانقسام الناجم عن الطموحات المتعارضة لمجموعة من الفاعلين السياسيين الذين يتنازعون السيطرة على الأراضي الغنية بالمحروقات، في بلد تفوق مساحته ثلاث مرات مساحة فرنسا، جعل ليبيا اليوم بمثابة جحيم بالنسبة لسكانها، وبؤرة لانعدام الاستقرار في منطقتي شمال إفريقيا والساحل.

فهل يمكن القول إن الرئيس الفرنسي قد وجد الطريق الصحيح لمساعدة الليبيين على إحلال السلام من خلال جمع الأطراف الرئيسية الأربعة في الأزمة الليبية تحت رعاية الأمم المتحدة وبحضور ممثلين عن عشرين دولة وست منظمات دولية؟

من خلال حصوله على التزام رسمي بإجراء الانتخابات في 10 ديسمبر، يكون الرئيس الفرنسي قد نال تنازلاً هاماً من ضيوفه الذين يجدون أنفسهم الآن ولأول مرة حول نفس الطاولة، فقد بات من الملح أن تقوم في ليبيا مؤسسات حكومية وسياسية شرعية لتفعيل خطوات الخروج من الأزمة في هذا البلد الذي أنهكته المواجهات المتواصلة منذ سبع سنوات طوال. بيد أنه من غير المؤكد ما إذا كانت "هذه الضربة الدبلوماسية المحكمة" من الإليزيه كافية لإعادة السلام إلى ليبيا في أقرب الآجال.

فوثيقة باريس ليست اتفاقاً بالمعنى الدقيق. حيث إن "الإعلان السياسي بشأن ليبيا" لم يشمل أي شكل من أشكال التوقيع، وإنما اكتفى بمصادقة شفهية سارع الرئيس الفرنسي، ومن بعده المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، إلى وصفها بالخطوة "الأساسية" و"التاريخية" في مسار المصالحة الليبية.

ولا شك أن رئيس "حكومة الوفاق الوطني" فايز السراج، وقائد "الجيش الوطني الليبي" المشير خليفة حفتر، ورئيس مجلس النواب (المنفي إلى طبرق) عقيلة صالح عيسى، ورئيس مجلس الدولة (وهو بمثابة هيئة استشارية أسفر عنها الاتفاق السياسي الليبي الموقع في الصخيرات بالمغرب في ديسمبر من عام 2015، يقع مقرها في طرابلس) خالد المشري، يعتبرون جميعاً فاعلين وازنين في ليبيا الحالية، غير أنهم ليسوا الأطراف الوحيدين في الأزمة الليبية. فالجماعات الجهادية المنتشرة في مختلف أرجاء البلاد، والقبائل البارزة، والمجموعات العرقية، إضافة إلى المجتمعات التي ظلت على ولائها للإرث السياسي الذي خلفه العقيد الراحل، جميعها لا تعترف بمشروعية الرباعي الذي استقبله ماكرون، كما أن بعضاً من هذه الأطراف يقاتلون هذا الرباعي منذ وقت ليس بالقصير. فمن خلال تجاهل هذه القوى "القوى المحلية"، التي كان المبعوث الأممي في ليبيا قد وضعها في محور "خطة العمل" التي أعلن عنها في سبتمبر 2017 والتي كانت ترمي إلى ربط إجراء الانتخابات بعقد "مؤتمر وطني"، يكون الإليزيه قد ارتكب بالتأكيد خطأه الأول الذي قد يقضي على فرص تحقيق النتائج المرجوة.

كما أغفلت الخطة الفرنسية على نحو غريب نقطة مهمة أخرى، ألا وهي الإطار الدستوري الذي ستجرى ضمنه الانتخابات البرلمانية والرئاسية. حيث إن ليبيا لا تملك دستوراً شرعياً، بل تتوفر فقط على "إعلان دستوري" وضعته السلطات المؤقتة في طرابلس في أغسطس 2011 بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي. وكان من المقرر استبدال هذا النص المؤقت بقانون أساسي جديد تعتمده هيئة تأسيسية تتألف من 60 عضواً فقط. في النهاية، لم ير هذا النص النور بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت في صيف 2014، فضلاً عن المتطلبات المتضاربة لبعض الفاعلين. ففي الوقت الذي تطالب فيه القوات المتواجدة في برقة بالشرق بإحداث هياكل فدرالية، تطالب القوات المتمركزة في طرابلس بالحفاظ على دولة موحدة. أما الأقليات العرقية، كالتبو والطوارق، فتضع الاعتراف الرسمي بهويتها الثقافية شرطاً للمشاركة في أي عملية مصالحة وطنية.

وفي يوليو 2017، شهدت ليبيا محاولة جديدة لوضع قانون أساسي للبلاد، حتى أنه تم اعتماد نصه، غير أن مجموعة كبيرة من أعضاء مجلس النواب قد رفضته في نهاية المطاف، لاعتقادها أن شروط الأهلية المتعلقة بالجنسية المزدوجة ومدة الإقامة في البلد والاضطلاع بمنصب عسكري ما هي إلا مناورة تهدف إلى إبعاد "المرشح الطبيعي" بالنسبة لهم، وهو المشير خليفة حفتر، عن خوض سباق الرئاسة.

ومن خلال الإشارة بشكل خجول إلى الالتزام باعتماد "قاعدة دستورية" من أجل الانتخابات المستقبلية، وذلك "بحلول 16 سبتمبر"، فإن "إعلان باريس" لم يقدم حلاً للمشكل القائم. فسواء أشار إلى اعتماد دستور جديد عبر الاستفتاء أو إجراء تعديل بسيط على "الإعلان الدستوري" المعمول به حالياً، فإنه يخاطر بترك الباب مفتوحاً على مصراعيه أمام نزاعات جديدة من المرجح أن تعمق الخلافات بين الليبيين.

كما أن "إعلان باريس" مهدد أيضاً بالواقع المرير للمشهدين الأمني والعسكري في ليبيا. فالوضع في المناطق الثلاث الكبرى في البلاد متوتر وهش ومتقلب للغاية. حيث إن المواجهات في أقصى الجنوب بين جماعة التبو العرقية وعرب أولاد سليمان تكاد تكون شبه يومية، هذا إن لم تندلع هذه الاشتباكات بين أحدهما وجيرانهم من الطوارق الذين يشاركونهما المنطقة. أما غرباً في طرابلس، فإن "حكومة الوفاق الوطني" بقيادة فايز السراج، والمعترف بها دولياً، تعتمد بشكل كبير على علاقاتها مع مختلف الميليشيات الداعمة لها، والتي يشعر بعضها بالارتياب من تقارب محتمل مع المشير خليفة حفتر، الذي يشتبهون في أن له طموحات "سلطوية" على غرار قدوته في المنطقة، الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. أما في برقة شرقاً، فبالرغم من النجاحات الكبيرة التي تم تسجيلها فيما يتعلق بإحلال شكل من أشكال النظام في المدينة والمناطق التي تسيطر عليها قوات "الجيش الوطني الليبي" التابع لحفتر، وذلك في مواجهة مختلف الجماعات المسلحة، خاصة الجهادية منها، يشتبه في ارتكاب هذه القوات انتهاكات جسيمة في حق الساكنة، لدرجة دفعت الأمم المتحدة إلى الإشارة إلى أنها خلفت "أثراً مدمراً على المدنيين".

إن النجاح في تنظيم "انتخابات سلمية وذات مصداقية، واحترام نتائج الانتخابات بعد إجرائها"، كما يأمل إيمانويل ماكرون، يكاد يكون معجزة في ظل هذا السياق.

RELATED CONTENT

  • September 7, 2021
    Le 24 août 2021, le Ministre algérien des Affaires étrangères a convoqué une conférence de presse pour annoncer la rupture des relations diplomatiques avec le Maroc, avec effet immédiat. Cette décision, d’essence unilatérale, diffère de la rupture qui découle d’une décision adoptée par le Conseil de sécurité dans le cadre du Chapitre 7 de la Charte des Nations unies. En effet, dans le cas des pays qui font l’objet de sanctions, comme l’Afrique du Sud du temps de l’apartheid, le Cons ...
  • August 3, 2021
    De toutes les régions africaines, le Maghreb est de loin la région la moins intégrée, tant sur le plan politique qu’économique. Pourtant, elle réunit les éléments nécessaires pour créer un ensemble régional ; la proximité géographique, l’interdépendance économique et sociale et l’homogénéité cognitive, plus spécifiquement les similitudes des valeurs. Cette étude traite de la dynamique maghrébine durant l’année 2020, à travers l’analyse des enjeux et de leurs conséquences sur les per ...
  • July 16, 2021
    Over 25 years after the launch of the Euro-Mediterranean Partnership (EMP) in the 1995 Barcelona Conference, the Mediterranean geographical area continues to be subject to the reflection and conceptualisation of the European Union (EU) with the aim of firmly establishing this strategic neighbourhood relationship and addressing the progress of the inherent challenges. Since then, several initiatives have marked the Euro-Mediterranean framework as stages on the path that claimed to be ...
  • June 18, 2021
    La Tunisie a célébré récemment le 10ème anniversaire de la révolution qui a mis fin à l’ancien régime bénalien tout en définissant les principes de la IIème République. Alors que la trans ...
  • May 07, 2021
    La région du Maghreb, post-Covid-19, fait face à des défis structurels de taille. Antérieur à la pandémie, les tensions géopolitiques et socioéconomiques empêchent les pays maghrébins d’a ...
  • Authors
    Noureddine Jallal
    November 11, 2020
    L’histoire du Polisario, loin de prouver une quelconque légitimité, est en réalité un produit non discursif, plus confus, produit et délégué à une consommation interne, et à une stratégie de propagande à l’extérieur. L’organisation séparatiste qui réfute la marocanité du Sahara, ne possède que des récits épars. Des récits basés sur des entretiens oraux et des semblants de rapports de réunions, postdatés généralement, des constatations et des déclarations de mémoire des uns et des au ...
  • Authors
    November 9, 2020
    The word ‘occupation’ was used twice specifically to the Saharan Provinces in UN General Assembly resolutions in 1979 and 1980. Though the word has not been used by the General Assembly since, it has appeared in court rulings in the EU, the UK and South in a detrimental conclusion regarding Morocco’s sovereignty over the Saharan Provinces. This paper shall start with a consideration of international law in order: to differentiate occupation of a nonself- governing territory from occ ...
  • Authors
    Amine Harastani Madani
    July 29, 2020
    Parler de de l’Union africaine sans évoquer la place qu’y occupe le Maroc serait incomplet, car le Royaume a contribué activement à la construction africaine, s’en est séparé, en signe de protestation contre le non-respect de la légalité internationale par les organes de la défunte Organisation de l’Unité africaine pour, ensuite, y retourner, dans le cadre de l’Union africaine. Doit-on parler de retour ou d’admission ? Indépendamment de la réponse apportée à cette question, il convi ...
  • Authors
    Abdessalam Jaldi
    June 26, 2020
    La jeune démocratie tunisienne a réussi le double pari de juguler la propagation de la pandémie de la Covid-19, tout en s’érigeant en un modèle régional de gestion de la crise sanitaire. Désormais, le pays doit remédier aux chocs économiques engendrés par la pandémie et pourrait connaitre la pire récession de son histoire. Dans cette tempête annoncée, l’accélération de la transition économique s’avère nécessaire, non seulement pour refonder le système économique, mais aussi pour pré ...
  • Authors
    May 22, 2020
    This paper takes a comparative look at Sudan, Morocco, and Algeria, at the rise of Nubian and Amazigh rights groups, and their attempts to redefine national identity. We examine: 1/ how Nubian rights groups have sparked what is being called a Kushite revival in Sudan, and are pushing for a change in educational policy and archaeological practice to engender a new historiography and national narrative; 2/ how Amazigh movements in Morocco and Algeria are similarly trying to expand con ...