Publications /
Opinion

Back
ملحمة الفريق الوطني لكرة القدم: حدث جيو سياسي كبير لصالح المغرب والجنوب
February 14, 2023

تعتبر ملحمة الفريق الوطني المغربي خلال البطولة العالمية لكرة القدم بالدوحة 2022، حدثا رياضيا كبيرا، لكنه حدث يتجاوز الإطار الرياضي.

يتعلق الأمر، كذلك، بحدث يهم المغرب طبعا، ولكنه يتجاوزه. لأن صداه كان عالميا. ولأنه كان مصدر فرح وبهجة عارمة وكذا اعتزاز كل الشعوب المغاربية والعربية والإفريقية، وبصفة عامة شعوب الجنوب، التي تملكت منجز فريقنا الوطني إلى الحد الذي اعتبرت أنه أصبح يمثلها. بالتالي، فهو فريق مغربي، أصبح بفضل منجزه، فريقا مغاربيا وعربيا وإفريقيا، وأصبح كأنه ينتمي إلى الجنوب الجديد كله (new south).

يتعلق الأمر بحدث رياضي يفرض القيام بقراءة أولية على المستوى الرياضي المحض، مما يجعلنا نقول بأن أول درس يجب استخلاصه من هذا الحدث أنه لم يكن من قبيل الحظ أو المعجزة. بل إنه جاء نتيجة تراكم مجهود وعمل قام بهما مغاربة في إطار وطني. والأمر يبين بوضوح أن العمل هو الذي يضمن التقدم والتطور. فهو يعكس بداية نجاح مشروع أكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي فرضت وجودها كمشتل طلائعي للتكوين في مجال اللعبة. ومن المؤكد كذلك أن قيادة الفريق المغربي من طرف إطار وطني (وليد الركراكي) ساهم إلى حد كبير في تحقيق هذه الملحمة الجميلة. ذلك أن هذا التأطير سمح ببناء فريق قوي متماسك مجاهد ومتضامن. فريق عجيب يفرض الإحترام بإشعاعه وروعة لعبه. لقد سمح ذلك التأطير بخلق شروط نجاح اللاعبين جسمانيا وذهنيا، وبمواجهتهم كبريات الفرق الأوروبية بدون عقدة. بالتالي، لابد من التسطير على الطابع الوطني لتأطير الفريق.

من الضروري الإشارة، بطبيعة الحال، إلى أن هؤلاء اللاعبين المغاربة ينتمون في غالبيتهم الكبيرة إلى فرق أوروبية من الدرجة العليا ساعدتهم على تكوين أنفسهم وتحسين إمكانياتهم.

إنه بفضل العمل المتراكم والتأطير الناجح للفريق المغربي، تمكن من الإرتقاء إلى المستويات العليا التي وصلت إليها الفرق الأوروبية والجنوب أمريكية. وبذلك تمكن الجنوب (أو العالم الثالث كما كان يقال) من الحضور عبر الفريق المغربي ضمن الكبار بدون عقدة.

إن الرجوع إلى تاريخ كرة القدم المغربية يؤدي بنا إلى الجزم أن لم يسبق للمغرب أن امتلك فريقا في قوة وتناسق وروعة الفريق الذي شارك في كاس العالم لكرة القدم بالدوحة سنة 2022. لقد عرف المغرب خلال مسيرته الكروية التاريخية لاعبين مشهورين بأناقتهم الرياضية، هو بالأساس منتوج طبيعي للمدن العتيقة ولأزقة الأحياء الشعبية المغربية. فخلال عهد الحماية نذكر على سبيل المثال "الجوهرة السوداء" العربي بنمبارك وحسن أقصبي وحسن بلمكي (حارس الأولمبيك الرباطي الذي أصبح حارس فريق الفتح الرباطي)، والثلاثي الرائع المشهور لفريق الوداد البيضاوي المكون من عبد السلام، الشتوكي وإدريس ، بالإضافة إلى الحارس سي محمد، وكذا بلمحجوب من فريق اليسام وبنعيسى كروم وشهود من فريق سطاد المغربي (أغلب هؤلاء اللاعبين حضرت مبارياتهم مباشرة وأنا فتى وشاب). مع الإشارة أنه في أواخر الأربعينات وبداية الخمسينات أصبح فريق الوداد البيضاوي حين يتفوق على الفرق "الفرنسية" مثل اليوسام والراك وروش نوار بالدار البيضاء وفرق الأولمبيك وسطاد بالرباط واليوسديام وفريق طنجة – فاس بمدينة مكناس والسام بمراكش، وبعد أن توج بطلا لشمال إفريقيا، أصبح يرمز إلى ملمح من نضال الحركة الوطنية في مطالبتها بالإستقلال.

مثلما أن اللائحة طويلة للنجوم الذين بصموا الكرة المغربية بعد الإستقلال، مثل: شيشا، الزهر، بتي عمر، بيتشو، الظلمي، فرس، العماري، كزنايا، علال، باموس، عسيلة، الهزاز، البوساتي، الزاكي، التيمومي، بودربالة، البياز، بوجمعة، الحضريوي، بصير، النيبت، حجي واللائحة طويلة.

يختلف الفريق الوطني لعام 2022، عن سابقيه، لأنه في جزء منه هو منتوج أكاديمية محمد السادس لكرة القدم، أي مدرسة التكوين التي تهئ للإحتراف الحقيقي. وأنه فريق متكامل ومتناسق بين أفراده، الذين كان لكل واحد منهم حظه من العطاء المتميز. فقد كانوا في الدوحة جميعهم أسود، أسود الأطلس. لذا من الواجب ذكر أسمائهم جميعهم: ياسين بونو، منير الكجوي (المحمدي)، أحمد رضا التكناوتي، رومان سايس، أشرف حكيمي، نايف أكرد، جواد ياميق، أشرف داري، بدر بانون، نصير مزراوي، يحيى عطية الله، عز الدين أوناحي، سفيان لمرابط، سليم أملاح، سفيان بوفال، عبد الحميد الصابيري، عبد الصمد الزلزولي، زكريا بوخلال، حكيم زياش، إلياس الشاعر، يحيى جبران، أنس الزروري، بلال الخنوس، يوسف النصيري، عبد الرزاق حمد الله، وليد شديرة.

 

مغاربة الشتات.. مكسب ومفخرة للمغرب

إن الدرس الثاني الذي يجب استخراجه من ملحمة الفريق الوطني، هو الأهمية الكيفية لمغاربة الخارج والشتات (الدياسبورا). أي إلى ما يزيد على خمس ملايين من المغاربة الذين يعيشون خارج الوطن. حيث من الواجب إبراز القيمة الرفيعة لتلك "الدياسبورا" التي ينتمي إليها جل لاعبي الفريق الوطني، والتي أبانت بقوة عن تعلقها وتشبثها الثابت بالوطن الأم وبأصولها وقيمه، مع المساهمة الفاعلة في إغناء بلدان الإستقبال. لقد أصبحت هذه "الدياسبورا" أداة انفتاح المغرب، بل وسيطا أساسيا بينه وبين العولمة، وأداة لإشعاعه ومكونا ل "القوة الناعمة" (soft power) التي يمتلكها المغرب بجانب تدبيره للمجال الروحي والديني في توجه يتسم بالتسامح والإنفتاح.

ستصل، من الناحية المادية، تحويلات المهاجرين من العملة الصعبة لفائدة ميزان الأداءات ما يفوق 100 مليار درهم لأول مرة سنة 2022. علما أن الشتات المغربي هذا كان مكونا من قبل من عمال وتجار، وأصبح اليوم يضم أطرا وأطباء ومهندسين ومثقفين وكتاب (ثلاثة منهم حصلوا على جائزة الكونغور الفرنسية في الآداب كمثال)، وأصبح ضمنهم الرياضيون أيضا. فجميعهم يساهمون في إغناء البلدان الأوروبية اقتصادا وعلما وثقافة وفنا ورياضة. بل إنه في هذا المجال الأخير، فرض اللاعبون المغاربة وجودهم منذ عدة عقود ضمن الفرق الفرنسية والإسبانية والبلجيكية والهولندية والإيطالية. ولقد اشتهر العديد منهم داخل الفرق الأوروبية المعولمة، كان أولهم العربي بنمبارك الذي لعب في  ما رسيليا وأتليتيكو مدريد ما بين 1938 و 1954، وكان أول لاعب غير فرنسي يشارك في الفريق الوطني الفرنسي. مثلما نذكر اللاعب الماهر حسن أقصبي القادم من فريق الفتح الرباطي الذي انتقل منه إلى فريق نيم ثم فريق رانس، إلى جانب كوبا وفونتين (المولود بالمغرب والذي لا يزال الهداف التاريخي لكأس العالم منذ دورة السويد سنة 1958).

بالتالي، أصبحنا نرى اليوم لاعبين مغاربة يفرضون إشعاعهم ضمن فرق أوروبية معولمة (باري سان جيرمان، ريال مدريد، مانشستر سيتي، بارما، بايرن ميونيخ... إلخ). بعضهم ولد بالمغرب وآخرون ولدوا في ضواحي المدن الأوروبية، وجميعهم ينتمون إلى عائلات من الفئات الشعبية.

إن مكسب بلادنا، وربحها، كامن في علاقتها مع هؤلاء اللاعبين، الذين هم متعلقون بشكل راسخ بها وبهويتها وخصوصيتها على غرار باقي مكونات "الدياسبورا". إن تعلقهم بالمغرب مكنهم من توظيف احترافيتهم وجعلهم داخل الميدان مجاهدين متضامنين بفعالية. وحين نقول إن الفريق المغربي قد مثل بجدارة (أمام كبريات الفرق الأوروبية) المغرب والمنطقة المغاربية وإفريقيا والعالم العربي والجنوب الجديد كله، فلأن ذلك يعد دليلا على أن المهاجرين بأروبا يمثلون نقطة انطلاق للجنوب مع امتداداته عبر المتوسط إلى العالم العربي والقارة الإفريقية. أي أنه عودة إيجابية للموجة من الشمال صوب الجنوب.

الرياضة مكون للعولمة ومرآة للهويات الوطنية

تفرض العولمة، كظاهرة، نفسها اليوم في القرن الواحد والعشرين. وهي تنتمي أساسا إلى المجالين الإقتصادي والتكنولوجي. لكن أصبحت الرياضة الراقية جزء منها كذلك، من خلال الأحداث الرياضية الكبرى من قبيل بطولة العالم لكرة القدم والألعاب الأولمبية إلى طواف فرنسا للدراجات، إلى مباريات كرة المضرب، إلى مسابقات ألعاب القوى، التي يتابعها جميعها عشرات الملايين من ساكنة العالم عبر التلفزيون. مما جعل الرياضة مجالا من مجالات العولمة.

وإذا كانت أشهر الفرق في كرة القدم مثل ريال مدريد وبرشلونة وباري سان جيرمان ومانشستر سيتي تنتمي إلى بعض كبريات المدن الأوروبية، فهي تتجاوز إطارها المحلي لتصبح فرقا "معولمة"، اعتبارا لأن لاعبيها ينحدرون من أصول مختلفة أوروبية ولاتينو أمريكية وإفريقية وآسيوية. ولأن منطق العولمة يتحكم في تدبيرها. وإذا عدنا إلى كاس العالم لكرة القدم، تجدها تعكس مواجهة أرو – أوروبية بين فرق وطنية أوروبية تتشكل من لاعبين ينتمون إلى أصول متنوعة و فرق جنوب أمريكية وإفريقية وآسيوية جل لاعبيها من "شتات الهجرة" التي تعيش بالقارة الأوروبية. وإذا كان الفريق الوطني المغربي، مغربيا بمكوناته فهو بدوره فريق "معولم"، كون لاعبيه من أصول مغربية وفي ذات الآن ينتمون إلى "الدياسبورا" المغربية في أوروبا التي تعتبر جزءا من العولمة.

إننا نجد في الرياضة، أن الهويات الوطنية تنازع هيمنة العولمة. إذ في عالم اليوم أصبحت الرياضة تعكس إلى حد كبير وطنية الشعوب. حيث يستند كل فريق وطني على جمهوره ويمثل أمام الآخرين العلم الوطني لبلاده ونشيده القومي.

هكذا أصبحت الرياضة وبخاصة كرة القدم (اللعبة الملكية) تمثل مقاومة الوطني إزاء العولمة. ففي هذا العالم المعولم أصبح فضاء الرياضة يحمي روح الوطنية بهوياتها وخصوصيتها. وأصبح فضاء الرياضة ينازع فضاء العولمة ويجسم مدى تعلق الشعوب بذواتهم.

لقد سمحت ملحمة الفريق الوطني المغربي لكل المغاربة بأن يجدوا أنفسهم ممثلين من طرف هذا الفريق الذي أصبح مرجعا لهم يوحدهم ويجمعهم ويجعلهم يعيشون بفرح واعتزاز ب"تامغربيت" وبمكونات الثقافة المغربية في أعماقها والرجوع إلى قيم "النية" و "رضات الوالدين" التي تجسمت في حضور الأمهات إلى جانب أبنائهم في ملاعب الدوحة، وصولا إلى استقبالهم من طرف صاحب الجلالة محمد السادس في قاعة العرش بكل حمولتها داخل بنية القصر الملكي.

مثلما تمثلت "تامغربيت" في خروج الملك إلى الشارع بجانب المغاربة للتعبير عن فرحة الجميع بأداء الفريق الوطني وتوشيحه للاعبين الأبطال بعد الإستقبال الشعبي الذي خصصته لهم جماهير غفيرة من سكان الرباط وسلا من المطار حتى باب القصر الملكي. ولقد ذكرتنا تلك التظاهرة الشعبية بما حملته من شعور بالفرح والإعتزاز، بمواعيد مجيدة من تاريخ المغرب، من قبيل يوم عودة محمد الخامس من المنفى (نونبر 1955) واستقلال المغرب، ثم أجواء استرجاع الصحراء المغربية إثر المسيرة الخضراء (نونبر 1975).

سمحت لي الفرصة، غداة المباراة التي جمعت بين المغرب وفرنسا بالدوحة يوم 14 دجنبر 2022، بحضور لقاء خصص للعلاقات بين المغرب وفرنسا ضمن الحوار الأطلسي المنظم من طرف " مركز السياسات من أجل الجنوب الجديد"، سمحت لي بأن أبرز أن بلادنا قد دبرت استقلالها بدون عقدة سواء مع فرنسا أو مع إسبانيا التي كانت تحتل شمال المغرب وكذا جنوبه بالصحراء. استنادا على زخم تاريخه وتنوع مكوناته وطبيعة منظومته الملكية التي تزايدت مشروعيتها خلال الكفاح ضد الهيمنة الإستعمارية.

يرجع ذلك إلى أن المغرب وكل أبنائه يحددون هويتهم انطلاقا من ذواتهم ومن ثقافتهم وتاريخهم وليس من علاقتهم مع الآخرين. فبعد الإستقلال مد المغرب يده لكل من فرنسا وإسبانيا بدون عقدة، وتناسى سنوات القطيعة التي تنتمي إلى التاريخ المشترك.

اليوم، وقد تعولم العالم، من حقنا الإنفتاح على العولمة بدون عقدة. والإنفتاح على القوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين، مثلما من حق فرنسا وإسبانيا وكل أوروبا الإنفتاح على العولمة. ونحن واعون بموقعنا ضمنها، أي بجغرافيتنا وتاريخنا ونريد أن نقوي خصوصية علاقتنا مع باريس ومدريد ومع العالم أيضا. مثلما لنا طموح، انطلاقا من موقعنا، أن نلعب دور الوسيط بين أوروبا وإفريقيا في كل المجالات الإقتصادية والأمنية والثقافية.

لقد أبانت ملحمة الفريق الوطني أن بإمكاننا فرض الإحترام واللحاق بالآخرين بدون عقدة. وفي السياق التاريخي الحالي من حقنا أن نسائل كلا من فرنسا وإسبانيا، بخصوص مدى تفهمهما لموقفنا حول محورية قضية وحد تنا الترابية، خاصة وأن هذين البلدين يعرفان تاريخ وجغرافية المنطقة، وأنهما ساهما في تسطير الحدود أثناء المرحلة الإستعمارية بها. فمن واجبهما بالتالي احترام وحدتنا الترابية.

حدث جيوسياسي لصالح الجنوب

لم يكن فريق كرة القدم المغربي مساندا من طرف المغاربة فقط، ولم يكن المغرب وحده في هذه المغامرة الرياضية الجميلة، بل كان الجنوب في كليته وراء بلادنا ووراء الفريق الوطني. انطلاقا من "الدياسبورا" المستقرة بأوروبا إلى شعوب المنطقة المغاربية وشعوب إفريقيا ومواطني العالم العربي. مثلما أن كل شعوب الجنوب قد احتضنت منجز الفريق الوطني الذي هزم فرقا وطنية أوروبية كبرى مثل بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، ولعب بدون أية عقدة نقص أمام منتخب فرنسا. ففي مخيال الرأي العام العربي والإفريقي والعالم الثالث، تمثل تلك الفرق الأوروبية القوى التي استعمرت بلدان الجنوب. وهي تعتبر أن تلك البلدان الأوروبية لم تستطع التخلص من عقدة الفترة الإستعمارية وأنها لا تزال تجسم ذاك الشمال الذي يحرص على استمرارية علاقاته غير المتكافئة مع الجنوب.

هكذا، ساهمت ملحمة الفريق المغربي في تجاوز العقد المتراكمة لدى شعوب الجنوب. وأبانت أن بقدرتها فرض الإحترام واللحاق بالفرق العالمية الكبرى. فانتصارات المغرب تجاوزت مستوى الرياضة، وهي تدل على عزم الجنوب اللحاق بالشمال، بل وإمكانية تجاوزه في عدد من المجالات. وقدرة اللحاق هذه لا تفتح فقط آفاق فرض الإحترام، بل إنها تجسم حقه في التطور والإشعاع والتنمية. وإن الحق في هذا اللحاق مرتبط بشكل عضوي بالحق في الخروج من التخلف والتهميش وولوج مراحل التنمية.

نستخرج من دروس ملحمة الفريق الوطني، أن التقدم يفرض ثلاث مستلزمات:

  • أولها، العمل والكد.
  • ثانيها، الإستناد على المرجعية العبقرية للثقافة الوطنية (النية).
  • ثالثها، الإنفتاح على الآخر للتعلم منه (شتات الهجرة).

وهي نفس الدروس التي يمكن أن نستخرجها من مسار التنمية بالبلدان الآسيوية (اليابان، كوريا الجنوبية، الصين.. مع اعتبار خصوصية كل بلد منها).

بالنسبة للجماهير الواسعة لبلدان الجنوب المهمشة، تساهم ملحمة الفريق الوطني المغربي في محو الشعور بالإهانة (الحقرة) ممثلة في وضعية الشعب الفلسطيني. ولقد تجلى ذلك في الحضور القوي للقضية الفلسطينية طوال مباريات الدوحة. إذ بفضل مكتسبات الفريق المغربي، حيث رفع العلم الفلسطيني إلى جانب العلم المغربي في الملاعب، وانتهز الفلسطينيون تلك اللحظة للتعبير عن فرحهم (في غزة وكذا في باقي الأراضي المحتلة)، ووجهوا ندائهم من أجل تجاوز حالة الإحتقان والظلم والإهانة التي تفرض عليهم.

لا بد هنا أن نبرز مصاحبة الشعوب المغاربية للفريق الوطني المغربي، وبخاصة الشعب الجزائري، رغم القطيعة القائمة بين البلدين. ولنا أن نذكر أن المغرب ساند الفريق الجزائري سنة 2019 عندما تصدر البطولة الإفريقية للأمم لكرة القدم بمصر. وإذا رجعنا إلى تاريخ النضال المشترك ضد الإستعمار، نذكر أن المغرب عوقب من قبل الفيفا في بداية الستينات وطرد منها لأنه كان قد احتضن أثناء حرب التحرير فريق جبهة التحرير الجزائرية لكرة القدم. لقد أبان الجزائريون وبصفة عامة المغاربيون على أن تملكهم لمنجز الفريق الوطني المغربي ليس مجرد تعبير عاطفي لأخوتهم (ديما خوا خوا)، بل إنه يعني المطالبة من طرفهم لتطبيع العلاقات بين المغرب والجزائر ومحو كل مظاهر القطيعة (قطع العلاقات الديبلوماسية، إغلاق أنبوب الغاز المغاربي، إغلاق الأجواء الجزائرية أمام الطائرات المغربية، توقيف المبادلات التجارية والتنقل البشري وإقفال الحدود منذ 1994). إن ما تتنماه الشعوب المغاربية هو بناء مجال مغاربي موحد ومتضامن ليمكن بلداننا من تحسين موقعها التفاوضي إزاء الإتحاد الأوروبي، جارنا الشمالي وإزاء العولمة المتقدمة للقرن الواحد والعشرين.

إن المغرب يعتز بالمصاحبة الأخوية للشعوب المغاربية للفريق الوطني، وسيستمر في مد اليد، مثلما أكد على ذلك العاهل المغربي محمد السادس في خطب عيد العرش سنتي 2021 و2022، حين قال: "إننا نجدد إلى الإخوان الجزائريين دعوتنا للعمل سويا وبدون شروط من أجل بناء العلاقات الثنائية على أسس الثقة والحوار وحسن الجوار. إننا نطمح لنعمل مع الرئاسة الجزائرية اليد في اليد للرجوع إلى علاقات طبيعية بين البلدين".

شكرا إذن للفريق الوطني المغربي، لأن صدى ملحمته لدى الشعوب المغاربية والعربية والإفريقية، أعطت كثيرا من الأمل للجنوب في كليته ليتغلب على العقد ويتملك حقه في اللحاق بالآخرين. إن هذا الحدث الرياضي قد سمح للقلب أن يلتقي بالعقل. لذا نجزم أن ملحمة الفريق المغربي حدث ذو بعد جيو سياسي.

توظيف السمعة ورأسملتها

لقد اكتسب المغرب الكثير من ملحمة الفريق الوطني في مجال السمعة والصيت، حيث إنه ضمن نظام العولمة الحديث تكون السمعة رأسمالا أساسيا ضمن العلاقات الدولية. وأنها جزء من منظومة القوة الناعمة، يسمح المجال الرياضي (مثله مثل المجال الروحي والديني) بحسن تدبير الإتجاه نحو الإنفتاح والتسامح.

إن هذا الإنتصار المبهر، يفرض على بلادنا مسؤوليات جسيمة. ففي مجال كرة القدم يجب متابعة العمل لتوطيد المكاسب (شعار سير سير سير)، لكن من المؤكد أنه يفرض علينا أيضا استخلاص الدروس منه لترجمتها في المجالات السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وهي المجالات المرتبطة مباشرة بمسألة التنمية. إنها تدل على أن اللحاق بالآخرين يمر عبر العمل والتكوين، كأساس لإصلاح نموذج التنمية الذي نطمح إلى بنائه. لقد بلغ المغرب الرتبة 11 عالميا في مجال لعبة كرة القدم، لكن إذا رجعنا إلى مؤشرات النمو الإقتصادي والإجتماعي والثقافي، نجده يتراجع إلى مراتب عالمية بين 70 و100. فعليا، انطلاقا من دروس نجاحات الفريق الوطني علينا أن نخلق شروط الإنطلاقة في كل المجالات (take off) كما أشار إليها في ستينات القرن العشرين الإقتصادي الأمريكي ومستشار الرئيس جون كينيدي، روستوف. إذ علينا العمل للحاق بالبلدان التي سبقتنا، مد اليد لمكونات العالم باحترام وتواضع وبدون عقدة، من أجل تحسين موقعنا التفاوضي مع الجميع. وفي هذا الإتجاه من اللازم أن نتعبأ لخلق شروط المصالحة بين مكونات المنطقة المغاربية لضمان إشعاعها وتحسين موقعها في الحوار مع جيراننا الأوروبيين شمالا وجيراننا الأفارقة جنوبا.

من الضروري توظيف المكسب الناتج عن ملحمة الفريق المغربي ومغزاه الجيو سياسي إزاء مجال القرب وإزاء العولمة، للدفاع عن قضية وحدتنا الترابية، ولإصلاح نموذج تنمية بلادنا وتحسين موقع الجنوب في شموليته وقدرته التفاوضية في كل الملفات واتجاه كل التحديات، من قبيل المديونية، التخلف، الفقر، الفوارق، الصحة، التعليم، الطاقات المتجددة والإنحباس الحراري.

 

RELATED CONTENT

  • Authors
    Ian Lesser
    November 18, 2013
    This policy brief argues for a closer relationship between Morocco and the United States. Morocco’s geo-economic position is evolving in ways that will shape U.S. and international interests in the country and open new avenues for cooperation. Key drivers of change in this context include Morocco’s stake in greater economic integration in the Maghreb, a growing role in Africa, new energy and infrastructure projects, and the emergence of Morocco as a hub for communications around th ...
  • Authors
    Alice Ekman
    February 1, 2013
    Ces deux dernières années ont été marquées par les mouvements de protestation dans le monde arabe. Ces mouvements ont été suivis avec la plus grande attention par les autorités chinoises, préoccupées à la fois par les conséquences intérieures, sur l’opinion publique et la stabilité politique du pays, et extérieures, sur les intérêts économiques et les ressortissants chinois présents en Afrique du Nord. Mais ces mouvements ont-ils changé la perception et les orientations stratégiques ...
  • Authors
    Alexis Arieff
    July 1, 2011
    This paper explores the recent evolution of security cooperation between the United States and Algeria, which have forged a strong partnership on counterterrorism despite lingering mutual distrust. The United States has strengthened its defense outreach to Algeria over the past decade, largely based on concerns over transnational terrorism, and Algeria has sought to benefit from this outreach as it positions itself as a vital player on regional issues following years of civil confli ...
  • Authors
    Abderrahmane Mebtoul
    April 1, 2011
    Pièce maîtresse dans la région euroméditerranéenne, le Maghreb est sollicité par l'Union européenne, et plus récemment par les Etats-Unis, dans le cadre d'une compétition entre ces deux pôles dans leur recherche d'une hégémonie économique. Plusieurs années après que l'Accord d'Association avec l'Europe est entré en vigueur, a-t-il permis une coopération économique, financière et sociale orientée vers une véritable accumulation du savoir-faire organisationnel et technologique ? Quell ...
  • Authors
    François Gemenne
    March 1, 2011
    This paper analyzes the future of migrations related to climate changes and environment degradations. He shows how the dominant public reasoning remains inappropriate for addressing these issues, because of the Western/Northern countries' misconception of the relation between migration and environmental changes, including the cultural and political biases these countries show in the solutions they propose. The discrepancy between public policies and the actual reality of climatic an ...
  • Authors
    Françoise Nicolas
    January 1, 2011
    La montée en puissance de la Chine et de l’Inde domine les débats économiques depuis quelques années déjà. Poursuivant une stratégie d’internationalisation résolue, les entreprises chinoises et indiennes sont désormais présentes dans bon nombre de régions du globe. Ce dynamisme n’a pas manqué de susciter des inquiétudes mais aussi des espoirs, notamment dans le monde en développement, où ces deux pays sont perçus comme des partenaires potentiellement plus bienveillants que les pays ...
  • Authors
    Radhi Meddeb
    September 17, 2010
    The Gulf Cooperation Council (GCC) is a regional organization which was created in 1981, reassembling six Arab countries together: Saudi Arabia, Kuwait, Bahrain, Oman, Qatar, and the United Arab Emirates (UAE). Thanks to their oil income, GCC countries have enjoyed economic boom since 2002, hence breaking with the 1990s economic slow-down. The year 2002 corresponds to the oil prices’ entry in an upward spiral which has resulted in an increase of both income and foreign assets. This ...